الزلزال وآثاره والترميم:
في صيف 1878 م قاست مصر بشدة بسبب فيضان النيل المرتفع الذي
أغرق المنازل والأراضي الزراعية مما جعل الحكومة المصرية تفكر
في بناء خزان كبير لحجز الماء المرتفع والذي سمي ب خزان أسوان
عام 1899 م وكان الهدف الأساسي من الخزان هو حماية مصر
والمصريين من الفيضان الجامح بالإضافة إلى توزيع موارد المياه
التي كانت تضيع هباء.
استغرق بناء خزان أسوان ثلاث سنوات ولكن الحكومة المصرية أدركت
أن سعة الخزان لحجز المياه لم تكن كافية ولذا تم تعلية الخزان
ثلاث مرات في سنوات 1912 , 1929 , 1933 . تأثر النوبيون الذين
يعيشون في هذه المنطقة بسبب الفيضان وبسبب التعليات الثلاثة.
وهكذا كانت مصر في حاجة ملحة لبناء سد كبير لحماية مصر
والنوبيين المتضررين في الجنوب.
قبيل ثورة 1952, لم يكن أحد يهتم بالنوبيين المصريين ولكن
الرئيس الراحل جمال عبد الناصر كان يضع مشكلتهم في أوليات
اهتماماته, ولم يكن يضع في ذهنه وضع حلول مسكنة لمشكلة الفيضان
وارتفاع مياه النيل. أمر الرئيس ناصر بتشكيل لجنة من خبراء
وزارة الري المصرية لدراسة فكرة بناء سد كانت مهملة في أروقة
الحكومة الملكية منذ عام 1947 م وطلب الرئيس من هذه اللجنة
دراسة نتائج السد اقتصاديا وعمليا. والمعروف أن فكرة السد
العالي هي فكرة مهندس زراعي يوناني مقيم في مصر ويدعي "أندريه
دامنو".
بعد أن أنهت اللجنة تقريرها عن السد العالي وافق عليه الرئيس
ناصر وبدأ مشاورات مع بعض الدول لتمويل هذا المشروع الذي اعتبر
ضخما مقارنة بميزانية مصر وقتها. وعرضت الولايات المتحدة قرضا
ثم سحبته بسبب تزعم مصر لدول حركة عدم الانحياز واقترابها من
دول الاتحاد السوفييتي والصين التي كانتا علي قمة الدول
الشيوعية,ولكن الاتحاد السوفيتي وافق علي تمويل السد العالي
بدلا من أمريكا. وبعد أن انتهي بناء السد العالي في أحد عشر
عاما فإننا نجد أن هذا السد قد حمي مصر من فيضانات كانت تحصد
خيرات مصر وتتسبب في مقتل ألوف من المصريين , و ساعد علي تخزين
مياه النيل التي لم تكن تستغل, وشكل بحيرة من أكبر بحيرات
العالم الطبيعية والتي يبلغ طولها حوالي 500 كيلومتر ثلاثة
أرباعها داخل الحدود المصرية والباقي داخل السودان الشقيق.
وأطلق علي بحيرة مصر (الجزء الذي يوجد في الأراضي المصرية )
اسم "بحيرة ناصر" أما بحيرة السودان فاسمها "بحيرة النوبة".
وتمثل البحيرة المصرية - من ناحية-مصدرا سياحيا لم يستغل حيث
تضم أنواعا من السمك والتماسيح النيلية وأنواعا من الطيور تضم
البط البري والإوز المصري والبجع وأنواع مختلفة من الصقور
والنسور. إلا أن هذه البحيرة من ناحية أخري تسببت في هجرة
النوبيين وغرق الآثار . هاجر النوبيون إلى شمال السد العالي
إلى قري تحمل أسمائها القديمة ونقلت الآثار إلى أماكن ليست
أماكنها ولكن كان لابد أن ترحيل البشر ونقل الآثار فقد كان
محتوما علي كل منهما الغرق.
الآثار المهددة بالنوبة ومنظمة اليونسكو
ضمت منطقة النوبة المعرضة للغرق معابد وكنائس ومقابر و مقاصير
وامتدت علي مساحة كبيرة من كلابشة شمالا حتى أبو سمبل وأبو
عودة جنوبا. وانتبهت الحكومة المصرية لهذه الأماكن الفريدة منذ
التعلية الأولى لخزان أسوان عام 1912 و فتحت الأبواب لكل
البعثات الأثرية للقيام بحفائر وتوثيق للمواقع الأثرية في بلاد
النوبة وكانت هذه البعثات في سباق مرير مع المياه المرتفعة
وتلهث بسرعة إلى الأماكن التي تقترب منها المياه. ولكن السد
العالي وبحيرة ناصر أجبرا الحكومتان المصرية والسودانية علي
عمل حملة دولية لإنقاذ آثار النوبة عن طريق منظمة اليونسكو في
يناير 1960 م. وبدا الأعضاء ال82 باليونسكو مساعدة الدولتين في
إنقاذ آثارها ويمكن إيجاز مشروع إنقاذ الآثار المصرية في
النقاط التالية:
1-المواقع
التي ضمت الآثار التي أنقذت هي أربعة مواقع
: موقع كلابشة الجديد (13 كم من أسوان) , و موقع السبوع
الجديد(152 كم من أسوان ) , و موقع عمدا الجديد (192 كم من
أسوان) , وموقع أبو سمبل الجديد , وظلت
ابريم
(250 كم من أسوان ) في مكانها دون أن تنتقل وكانت علي الضفة
الشرقية للنيل ولكنها تحولت إلى جزيرة عام 1975 .
2-الآثار
التي أنقذت هي:
المعابد الستة لرمسيس الثاني في بيت الوالي وجرف حسين والدر
السبوع ومعبدي أبو سمبل والمعابد التي بنيت في الحقبتين
اليونانية والرومانية في كلابشة و الدكة والمحرقة ومعبد الأسرة
الثامنة عشرة في عمدا بالإضافة إلى
كشك قرطاسي
المكرس لإيزيس ومقبرة عمدة عنيبة "بنوت" والتي ترجع لعهد رمسيس
السادس.
3-أهديت بعض المقاصير والمعابد الصغيرة إلي بعض الدول التي
ساهمت بشكل كبير مثل معبد
دابود (أسبانيا ) ومعبد طافا (هولندا) وبوابة كلابشة (ألمانيا)
ومعبد دندور (الولايات المتحدة الأميركية) و أخيرا مقصورة
الليسيه قد أهديت إلى إيطاليا.
4-اختلفت طرق نقل هذه الآثار إلى مواقعها الجديدة فمعبد
عمدا
تم نقله دفعة واحدة دون قطع علي عربات سكك حديدية ومعبد فيلة
نقل بأكمله إلى جزيرة أخرى مجاورة أما معبدي أبو سمبل فقد نقل
بطريقة تشبه تركيب مكعبات الأطفال.
نقل معابد أبو سمبل
درست الحكومة المصرية عددا من الاقتراحات من اجل إنقاذ معبدي
أبو سمبل الذين يمثلا أثرا فريدا لقيمته التاريخية والمعمارية
تركزت هذه الاقتراحات في ثلاثة وهي :
1-بناء أسطح وجدران تحت حول المعبدين وانتظار المياه حتى ترتفع
فوق هذه الأسطح والجدران.
2-تغليف المعبدان بقباب وتركهما تحت المياه ويمكن للزائر أن
يزور المعبدين باستخدام مصعد (أسا نسير ) عمودي.
3-قطع المعبدان إلى كتل ونقلها إلى موقع مرتفع آمن و إعادة
بنائهما في موقع جديد.
قبلت الحكومة المصرية الاقتراح الثالث بعد دراسة تفاصيله وكلفت
شركة هندسية سويدية بمراجعة الفكرة والإشراف علي التنفيذ ودعت
الشركة السويدية الشركات الدولية لمناقصة عامة لتنفيذ مشروع
إنقاذ معبدي أبو سمبل. فأرسيت المناقصة علي ست شركات وهي
الفرنسية ترافو دي مارسيليا والسويديتين سكانسكا وسنتاب
والإيطالية امبرجيلو والمصرية أطلس والألمانية هوختيف ورأست
الشركة الأخيرة هذه المجموعة والتي سميت "الشركات الاتحادية
لإنقاذ معبدي أبو سمبل". وبدأ مشروع الإنقاذ في مارس 1964
وتضمن النقاط الثمانية التالية:
o
تشييد سد كغطاء أمام المعبدين يسمح للقائمين بالمشروع بالقيام
بعملهم ويحميهم من المياه المرتفعة التي كانت علي ارتفاع 122
متر فوق سطح البحر وكان مقدرا لها أن تصل إلى 180 متر كأقصى
ارتفاع بينما كان أساس المعبد الكبير علي مستوي 124 م فوق سطح
البحر والصغير 120 م. أقيم السد الغطائي من اللوحات الفولاذية
المدعومة بالرمل والصخور (38 ألف متر مكعب ) وبلغ طول هذا السد
372 متر وارتفاعه حوالي سبعة وعشرين مترا.
o
تضمن المشروع إزالة صخور الجبلين اللذين يضمان المعبدين وخوفا
من تأثير ذلك علي التماثيل والنقوش غطيت واجهات المعبدين
بالرمال ولدخول الفنيين والعمال إلى داخل المعبدين وضعت
ماسورتين كبيرتين في بابي المعبدين مخترقة الرمال.
o
أما الاثنان والعشرون قردا أعلي واجهة المعبد الكبير فقد غطوا
بغطاء خشبي لحمايتهم من الصخور الجبلية التي قد تسقط أثناء
الإزالة .
o
إزالة صخور الجبلين مع الاحتفاظ بالكتل العلوية من أجل
استخدامها في إعادة تركيب أسطح الجبلين فيما بعد , ونزع من
صخور المعبدين حوالي 150 ألف متر مكعب.
o
قطع المعبدين إلى كتل يتراوح أوزانها بين 3 و 20 طنا ورقمت
بطريقة علمية لتساعد في إعادة تركيب المعبدين وكانت هذه الكتل
تقطع بدقة بمناشير يدوية لا يتجاوز سمك القطع بها أكثر من ستة
مليمترات. وبلغ عدد .
كتل المعبد الكبير 807 كتلة بينما المعبد الصغير 235 كتلة
وخزنت هذه الكتل في ثلاثة أماكن خلف وجنوب المعبدين.
o
اختير الموقع الجديد لاعادة تركيب المعبدين وكان علي ارتفاع
ستين مترا والي الغرب بحوالي 180 مترا من الموقع القديم. هذا
التغيير قد أثر علي دخول
الشمس
داخل المعبد الكبير , ففي الموقع القديم كانت
الشمس
تدخل يوم 21 من شهري أكتوبر وفبراير أما في الموقع الجديد
فالشمس تدخل يوم 22 من نفس الشهرين وهذا يعني دخول الشمس
متأخرة يوما عن موعدها الأصلي.
o
بناء قبتان خراسانيتان فوق المعبدين لحمايتهما من الوزن الثقيل
للصخور والمعروف ان قبة المعبد الكبير هي الأبر في العالم حيث
يبلغ محيطها حوالي 60 متر وارتفاعها 22 متر.
o
قام باحثو المصريات والمرممون بوضع اللمسات الأخيرة من تغطية
خطوط القطع ومعالجة المناطق التي تعرضت للتلف أثناء النقل
والتخزين.
o
فتح المعبدان أبوابهما للزيارة في 22 سبتمبر 1968 .
|