بنى محمد علي باشا،
والي مصر عام 1235هـ ـ 1820، السبيل في قلب مصر القديمة، وبعد أكثر
من 850 سنة من بناء المدينة، وذلك تخليدا لإبنه طوسون الذى توفى
نتيجة مرض الطاعون وكان سنه 22 عاما، وذلك قبل ثلاث سنوات من تاريخ
بناء السبيل.
كسر التقليد المعماري المملوكي
الذي امتد قرونا، ودشن بإقامة هذا السبيل طرازا جديدا تماما،
فاختار موقعا بارزا في المنطقة التجارية النشطة على الشارع الرئيسي
في المدينة، واستورد أخشابا ورخاما ابيض من تركيا، وربما جلب منها
بعض الحرفيين أيضا، واختار أن يشيد مبنى بهذه الضخامة والفخامة
ليبرز سلطته السياسية، وتعرض اللوحات المنقوشة بكتابة عثمانية على
الواجهة أبياتا شعرية، واسم محمود الثاني، سلطان الدولة العثمانية
آنذاك، التي كانت مصر جزءا منها وكان محمد علي واليه عليها.
وكان السبيل أيضا نقطة في معمار
القاهرة، فطراز الزخرفة الغنية المنحوتة على الرخام على الواجهة
المقوسة كان جديدا تماما، وكان هذا الطراز الذي ظهر في مبان كثيرة
في اسطنبول تحويرا عثمانيا لطراز الباروك الأوروبي، لكنه كان
تحويرا حديثا للغاية في عصره مع عنصر كلاسيكي قوي، كذلك كانت
الأفاريز الخشبية البارزة المنقوشة الغنية بالنحت متأثرة بطرز
معمارية تركية.
وزيادة في البعد عن تقاليد العصر
المملوكي، لم يبن فوق السبيل كتاب، إنما بنيت قبة مغطاة بالرصاص
على غرار مبان عديدة في عاصمة الدولة العثمانية، ولزيادة التأكيد
على هذه الفكرة، كان باطن القبة مزخرفا بلوحات تصور مشهدا تركيا
مبنيا خياليا لا يشبه أفق القاهرة، وكان يتوج المبنى هلال لامع
مطلي بالذهب، وكانت أبواب المدخل الرئيسي مصبوبة بالبرونز الصافي،
وكان المقصود بتغطية القضبان المزخرفة المصابع الذهبية في النوافذ
المقنطرة، إبهار الرواد الذين كانوا يرتقون الدرج ليملأوا كوبا من
الماء من الأحواض الرخامية خلفها، وكان الماء يحفظ في صهريج ضخم
تحت الأرض عمقه تسعة أمتار، ومسقوف بتسع قباب حجرية، وجدرانه مبطنة
بمونة غير منفذة للماء، على غرار المباني الرومانية القديمة، وكانت
تغذيه بالماء أنابيب تملؤها سواق منصوبة على الخليج المصري الذي
كان يخترق المدينة وقتها، وتبلغ سعة الصهريج 455 ألف لتر، تكفي
لملء مليون ونصف مليون كوب من الماء، وعادة ما يكون الناس الذين
يشربون من السبيل يتركون عملات رمزية عرفانا للجميل، ووجد منها
الكثير خلال الترميم تحت الدرجات وفقا للعرف الشعبي، وكان باستطاعة
الذين يرتقون الدرجات من الشارع ليصلوا إلى النوافذ المغطاة
بالقضبان ليشربوا، أن يلمحوا باطن القبة المزخرف فوق قاعة السبيل،
فتوحي لهم المدينة الخيالية والنقوش النباتية المزهرة المنقوشة
عليها بصور الجنة.
بعد عقد من إنشاء السبيل في وقت
ما بين عامي 1828 و1831، تم توسيع السبيل، وأضيف دور علوي له خال
من الزخرفة تقريبا، مما يؤكد انه بني لغرض عملي. وفي تلك السنة
أجريت أعمال جديدة في المبنى، كما تشهد اللوحة التذكارية المثبتة
على الواجهة. وفي ثلاثينات القرن الماضي، أهمل السبيل وأصبحت حجرات
الدور الأرضي مدرسة للبنات، وظلت المدرسة مفتوحة حتى الزلزال
الكبير عام 1992، الذي وضع المبنى على حافة الانهيار، فهجرته
التلميذات اللائي حولن إلى مدارس أخرى.
ولكن تم ترميمه الآن وأصبح تحفة
فنية رائعة، تحكى جمال وعظمة هذا الفن الجميل وروعة الفن الإسلامى
فى ذلك الوقت.
|