الفصل الثالث:
المعالجات المناخية وتصميم مبانى المدينة الإسلامية
تعتبر هذه المحطة أو هذا الفصل من أهم الأجزاء فى هذا الكتاب، لأنه يعرض لنا
بأسلوب جميل ومبسط وواضح، ما هى المشكلات والظروف المناخية فى
كل الدول العربية والإسلامية مع اختلاف مكانها، وبعدها تناول
المعالجات التخطيطية والمعمارية فى المدنية الإسلامية، وناقش
هذه المعالجات باستفاضة وتوضيح كامل، والمحددات لتنفيذها.
حيث بدأ بالمعالجات التخطيطية للمدينة الإسلامية، التى وضع لها
محددات التى يجب أن تراعى عن وضع تخطيط لأى مدينة:
1-
شروط اختيار موقع المدينة: بحيث يكون ملائما
صحيا وبيئيا ومناخيا وتكون قريبة من مصادر المياه، والمرعى،
وكان يراعى عند اختيار موقع المدينة الجديدة فى بدايات الإسلام
ألا يفصلها عن المدينة المنورة نهر او بحر نظرا لعدم وجود
اسطول بحرى عند المسلمين فى ذلك الوقت، وكان هناك مبدأ مهم
يحدد اختيار موقع المدينة، ألا وهو " دفع المضار وجلب
المنافع"، وحدد المضار نوعان أرضى وعلاجه عمل أسوار حول
المدينة، وسماوى باختيار المدينة بحيث تكون جيدة التهوية حتى
لا يفسد طعام أو تنفق دابة أو أى كائن حى.
2-
إتباع الحل المتضام فى المبانى: نظرا لقسوة المناخ
فى معظم الدول الإسلامية وخاصة فى بداية دخول الإسلام، فكان
محبذا أن تتقارب المبانى مع بعضها حتى تلطف من حرارة الجو.
3-
ضيق الشوارع وتعرجها: لإضفاء جو من الظلال على
الشوارع فيقلل من حرارة الجو صيفا، وكانت توجه شمالا جنوبا،
لضمان عدم تعرض واجهة المبانى للشمس واستقبالها للرياح
الشمالية الخفيفة المحبذة، وكانت الشوارع تتعرض وتنتهى بمكان
لتجميع الهواء البارد فيسهل من التخلص من سخونة الجو، والهواء
الساخن، وقد ثبت ذلك بعمل دراسات على الهواء وكميته وسرعته فى
بعض البيوت الإسلامية القديمة.
4-
تسقيف الشوارع وبروز الواجهات: حيث قاموا
بتسقيف بعض أجزاء من الشوارع ووضعوا بروزات على واجهات المبانى
لتعطى ظلالا على الجدار الخارجى للمبنى فتنخفض درجة حرارتها،
وكذلك لتعطى نوع من الخصوصية بين المبانى.
5-
مراعات الجوانب الصحية: حيث روعى إمداد
المبانى بالمياه الصالحة للشرب، ومد شبكة صرف بحيث تكون بعيدة
عن مصدر المياه النقية حتى لا تلوثها، وكانت تكنس الشوارع وترش
بالماء لضمان نظافتها.
6-
بعد ذلك عرض لنا المعالجات المناخية فى
المبانى وكان منها:
1-
مواد البناء: ومنها الطوب اللبن، الطوب الآجر
ومنه الطوب الأحمر البلدى وأحمر ضرب السفرة والطوب الأحمر
المحروق، كذلك استعملوا الحجر والجبس والجير والخشب، وقد حدد
استعمال كل منها فى أى بلد على حسب توافر المادة فيها، وحدد
استعمال كل منها فى أى جزء من المبنى، وكذلك عيوب ومميزات كل
مادة منها.
2-
الفناء الداخلى: قام بتعريف ما هية
الفناء وأوضح استعماله فى جميع الحضارات السابقة القديمة بدءا
من الحضارة الفرعونية والإغريقية والفارسية والرومانية وأخيرا
فى العمارة الإسلامية حيث استعمل بصفة عامة فى المبانى العادية
أو الدينية، كما أوضح لنا أهميته المناخية والوظيفية حيث أنه
يحقق الخصوصية والبعد عن الضوضاء فى المبانى السكنية ومكان
للصلاة فى الصيف فى المساجد.
ثم وضح لنا أسلوب تصميم الفناء فى
كل الحضارات، وقام بدراسة تحليلية للنسب المناسبة لأبعاده
الهندسية فى كل الحضارات، وبين أهمية وجود المياه والأشجار
فيه، حيث أنها تساعد على تخفيض درجة الحرارة نهارا وليلا.
3-
التختبوش والمقعد والإيوان: عرف كل منها،
والصفة التى جمعت بينهم هى الحصول على هواء بارد فى فراغ شبه
مغلق، أما ما يفرق بينهم هو مكان تواجد كل منهم فى المنزل،
والغرض من استعماله، حيث أن التختبوش يوجد بالدور الأرضى، ويطل
على الفناء وعلى الحديقة الخلفية، وقال عنه "حسن فتحى" أنه
أضيف على العمارة الإسلامية للحصول على هواء بارد بالحمل
"convection" ، والمقعد هو
فراغ للرجال يوجد فى الدور الاول فوق التختبوش عادة، ويكون
واجهته مفتوحة وعبارة عن عقود محمولة على أعمدة وتكون جهة
الشمال، ويطل على الفناء أو الحديقة الداخلية، أما الإيوان فهو
فراغ مظلل له أبواب يطل على الخارج أو على الفناء أو الحديقة
الداخلية، وهو يحمى الغرف التى تطل عليه من المناخ القاسى صيفا
وشتاءا.
4-
ملاقف الهواء: وضح لنا ما هى
وكيفية عملها، وأثبت استعمالها من أيام الفراعنة ولكن بصورة
مبسطة فى مسكن "نب أمون"، ثم عرض لنا أهمية استعماله فى
العمارة الإسلامية، فهو جزء مهم جدا بها: حيث أنها تعطى هواءا
نقيا، هواء يسرى لأعلى، يوفرهواء للمبانى التى ليس لها نوافذ
خارجية، تلطيف درجة حرارة الجو داخل المبنى، اقتناص الهواء
العليل مهما كان اتجاه المبنى.
كذلك بين لنا أنواعها: ملقف
السطح، الملقف ذو البئر، برج الرياح أو الكاشتيل، وأنواع أخرى
من الملاقف التى بين لنا أشكالها وأبعادها وطريقة عملها وأماكن
استعمالها ومدى أهميتها فى تلطيف الجو داخل المبنى.
5-
النوافذ والفتحات: بين لنا أنواعها
وأبعادها وتأثير نسبتها على المبنى وأنواع المواد المستخدمة فى
صنعها والقيم الوظيفية والبيئية لكل من أنواعها المختلفة.
6-
المشربيات: نحن نعلم جميعا
مدى أهمية هذا العنصر فى العمارة الإسلامية بصفة عامة، ولذلك
فقد قام المؤلف بشرح وافى لأصلها الذى ثبت أنها استعملت فى
العمارة الفرعونية بصورة مبسطة فى منزل "نب أمون" ثم ظهرت بعد
ذلك فى الكنائس القديمة، وبين لنا بعد ذلك كيفية معالجتها
مناخيا للمبنى بالتفصيل، حيث أنها تسمح بدخول الهواء اللطيف
بسهولة نظرا لإستدارة أجزائها، وتضبط الرطوبة فى الجو نتيجة
لصنعها من الخشب الذى يمتص الرطوبة، ولا تسمح بدخول أشعة الشمس
المباشرة التى تسبب الزغللة، وتتواجد عادة فى الواجهات
الخارجية لكى تحقق الخصوصية أيضا فمن بالداخل يرى من بالخارج
وليس العكس، ويمكن أن تصنع المشربية من الرخام أو الجص أو
المعدن حسب المواد الخام المتوافرة فى البلاد الإسلامية
المختلفة، ويمكن وضع ضلف زجاج خلفها لكى تمنع دخول الهواء
البارد شتاءا.
7-
أساليب الإضاءة الطبيعية: نتيجة لإرتفاع
درجات الحرارة معظم شهور السنة فى معظم الدول الإسلامية، لجأ
المعمارى المسلم لاستعمال الإضاءة غير المباشرة، حتى يتحاشى
الشمس المباشرة ودرجة حرارتها العالية، ولذلك استعمل حلولا
كثيره لتحقيق ذلك:
·
الصحن المكشوف.
·
الزجاج الملون الموجود
أعلى الأبواب فى حال إغلاقها.
·
الكوات والشخشيخة، فهى
تكون أعلى الدرقاعة وتكون أعلى من سطح المبنى وشكلها مربع أو
مستطيل أو على شكل قبة صغيرة، وتفتح شبابيك فى رقبتها بزجاج
ملون وعليه سلك لمنع دخول الحشرات والطيور، وتسمح بدخول
الإضاءة غير المباشرة.
·
المضاوى: وهى عبارة عن
فتحات صغيرة فى السقف تسد بزجاج أو قعر قنينة، وهى تستعمل
للإضاءة فقط دون التهوية، وعادة تستعمل فى الحمامات والفراغات
ذات الخصوصية العالية.
·
وفى المناطق الباردة
نتيجة لتسقيف الصحن، لجأ لعمل اختلاف فى ارتفاعات الأسقف ليعمل
التهوية والإضاءة من خلالها، وكان السقف إما منحدر أو مقبب،
ووضع الفتحات فى أعلى جدران القاعات، وفى رقبة تغطية الصحن،
ورقاب القباب.
8-
استخدام العناصر الطبيعية: حيث استعمل عنصرى
المياه والأشجار استعمالا ناجحا وجميلا، لكى يساعد على تلطيف
درجة حرارة المبنى داخله وفوقه وحوله، حيث استخدم النافورات
والسلسبيل والفسقية، داخل المبنى فى الدرقاعة، وفى الحدائق
الداخلية، كذلك استعمل الأشجار والنباتات فى الحدائق الداخلية
وعلى الأسطح، وهذا أدى لتخفيض درجات الحرارة داخل المبنى،
ودرجة حرارة سطحه، وساعد أيضا فى إضفاء جو من الخصوصية لساكنى
المنزل.
9-
معالجة الضوضاء: باستعمال الحوائط
السميكة، الأفنية الداخلية، حدائق السطح، الفتحات الخارجية
الضيقة، ونهايات الشوارع المغلقة، لعزل المبانى الإسلامية
عن الضوضاء وتحقيق خصوصية لساكنى المنازل، وقد أثبت ذلك فى
دراسة مقارنة بين ثلاث منازل بالقاهرة، حيث أثبتت قلة
الضوضاء داخل المنزل عن خارجه بنسبة كبيرة، ومن خلال توزيع
الفراغات داخل البيت ثبت أن المعمارى المسلم كان يأخذ فى
اعتباره أن يحقق الخصوصية والبعد عن الضوضاء.
|